عن كتاب : أوسّان رغانين باهرا

عن الثقافة الشّعبية الأمازيغية .. وتأثّر الذّخيل بالأصيل ..

عن كتاب : أوسّان رغانين باهرا .. أوسّان نايت أوفرا ...( الأيّام الجارّة جدّا .. أيّام أيت أوفرا ..)

لايمكن رصد المشهد اليومي لمجتمع ما من كلّ نواحيه ،إلاّ من خلال ربط الثّقافة الشّعبية بالمعيش اليومي ربطا لا يجعل منها أنشطة موازية ، بل إطارا عاما لوجود المجتمع وسيرورته . ولا يمكن لهذه السّيرورة أن تتفكّك ذاتيا أوتُحدَث شروخٌ في البناء العمودي لهذا الوجود ، إلاّ من خلال تظافر عوامل خارجة عن الخصوصيّة والتّميّز، تُختزل أحيانا في الإنجذاب الفردي والجماعي - أحيانا - إلى مظاهر تغري بطبيعتها الإستلابية بالجديد ، أكثر ما تضيف من قيمة حقيقية للثّقافة المحلّية ، والّتي رغم كونها لا تستطيع مقاومة الإغراءات الجديدة بنفس طويل ، إلاّ أنّها تبقى عصيّة على المحوكلّيا ، عكس ما قد يتصوّر . فمثلا في مسقط رأسي طاطا - كنموذج - إلى حدود عقد الثّمانينات ظلّت الثّقافة الشّعبية المحلّية عصيّة على الإستسلام لمظاهر التّمدّن الجديد، والمتمثّل في ربط الطرق بالشّبكة الوطنية ، وربط الدّواوير بالطّاقة الكهربائية ، وما ترتب عنها من بركان تجلّت تدميريّته في طوفان من لافا الثّقافات المختلفة والمتنوّعة ، والّتي تنفثها مداخن القنوات التّلفازية التي تنمو كالفطر، فما لم تُبدْهُ سحقته ، وما لم تسحقهُ سمّمته . فشكّل الدخيل والأصيل انفصاما في شخصيّة ثقافة ظلّت تقاوم أشكال الإستلاب الخارجي لمئات القرون . ولحسن الحظّ وفي كلّ الثّقافات الشّعبية على مستوى العالم بأسره ، إنبرى مهتمّون وباحثون ومنذ عقود خلت ، لتدوين مالم يدوّن من عادات وتقاليد ورقص وشعر شفاهيّ جعل استئصال الأصيل مستحيلا أومؤجّلا إلى حين، وجعل الثّقافات الشّعبية تحيا من جديد ، لترقى إلى مستوى مكوّن من مكوّنات الوجود الإنساني الواجب الحفاظ عليها ؛ وهو ماتجلّى في المواسم القديمة ، الّتي اتّخذت الآن شكل مهرجانات ثقافية وطنية وعالميّة ، تتولّى تمويلها منظّمات عالميّة وجمعيات وطنية متخصّصة في إحياء الثّرات الإنساني المهدّد بالإندثار.